روسيا القوية الضعيفة

روسيا القوية الضعيفة



محمد إبرهيم - النهار اللبنانية



عندما سئل وزير الخارجية الروسي عن استعداد بلاده لخفض حصتها من إنتاج النفط كان جوابه أنه يتبنى الموقف السعودي الذي يعتبر أن خفض الإنتاج لا يؤدي إلى رفع الأسعار وإنما إلى حلول آخرين مكان البلد الذي يقلّص حصته في الأسواق العالمية. وعندما سئل الرئيس الروسي عن سبب انهيار اسعار النفط أجاب أنه لا يستبعد وجود تواطؤ أميركي - سعودي مثلما أنه لا يستطيع تأكيده. الجواب الأول أقرب إلى المنطق الإقتصادي فيما الجواب الثاني أقرب إلى الاستعمال السياسي للأزمة الاقتصادية. فعندما يكون أبرز متضررين من انهيار أسعار النفط روسيا وإيران، وعندما يكون الاشتباك الأول للولايات المتحدة مع هذين البلدين، يصبح الإغراء كبيرا بتبني نظرية التواطؤ. لكن إدخال عاملي تباطؤ النمو في المواقع الأساسية للاقتصاد العالمي، وتطور الطاقة الإنتاجية العالمية، بما فيها جديد النفط الصخري، يكفي لجعل السوق النفطية تتجه نزولا طالما أن جانبي العرض والطلب يتعرضان لضغوط متعاكسة. فالطلب ينخفض والعرض يزيد.



الاستعمال السياسي للعامل النفطي مشروع من الجانبين، مع أن اسبابه الفعلية إقتصادية. ومقابل تلويح روسيا بالتآمر يستفيد الأميركيون عمليا من زيادة الضغوط على كل من روسيا وإيران لزحزحة مواقفهما في كل من أوكرانيا والملف النووي الإيراني. لكن في تصريحات الرئيس الروسي الأخيرة اضطرار للاعتراف أيضا بعاملي ضعف أساسيين في الاقتصاد الروسي هما استمرار الاعتماد على النفط، لا على تنويع الاقتصاد، وتفشي الفساد، بما يعطي صورة أشمل لانكشاف الاقتصاد الروسي على الضغوط الخارجية حيث أعطى بوتين نسبة ثلاثين في المئة لتأثيرات العقوبات الاقتصادية الغربية على بلاده.



هذا الانكشاف، الذي نجد بسهولة ما يوازيه في الحالة الإيرانية، يعيدنا بالذاكرة إلى التناقض ما بين القاعدة الاقتصادية للاتحاد السوفياتي السابق وطموحاته الخارجية. هذا التناقض الذي أدى في النهاية إلى ضياع كل الامتداد الروسي الخارجي التاريخي، ومن بين مواقعه الأخيرة أوكرانيا.



بوتين يتهم الغرب بأنه يريد تفكيك الاتحاد الروسي كما فكك الاتحاد السوفياتي، وصولا إلى استغلال الثروات الطبيعية السيبيرية. لكنه يرد بالاندفاع خارجا وبطلب الاعتراف بنفوذه في "الخارج القريب" وبحصة "سوفياتية" في العلاقات الدولية، وهو بذلك يحظى بدعم شعبي روسي كبير، فيما يبقى موضوع هشاشة الاقتصاد الروسي الداعم للطموحات الخارجية بدون معالجة.



بعد انهيار النموذج الاشتراكي، وبعدما تجاوزت روسيا مآسي المرحلة الرومنطيقية في الانتقال إلى اقتصاد السوق في تسعينات القرن الماضي، لا يقدّم بوتين اليوم نموذجا اقتصاديا قادرا على بناء قاعدة إقتصادية متينة تحافظ في الوقت نفسه على تماسك الاتحاد الروسي. ويزيد الأمور تفاقما الاصرار على استعادة أمجاد روسية قديمة.





from منتديات السعودية تحت المجهر
سيو

0 التعليقات: